Cherreads

جحيم في رخاء

Neko_Chan_9205
7
chs / week
The average realized release rate over the past 30 days is 7 chs / week.
--
NOT RATINGS
453
Views
Synopsis
أُنثى طيفٍ اقتحَمتْ دنياً أيامُها رتيبةٌ لا تتباين بل تزيدُه أسىً ندما لطالما عاشَ بالفؤادِ فصار الشغفُ لِذي الحياةِ سراباً بعيدَ المنال.. أموالٌ تنهالُ عليه مُذ كان طفلا فباتت لهُ أغلالا لا يكاد يَنفكُّ منها.. ولم يتوقع يوما أن قدره قد رسمَ له مستقبلا ماَ وضَعَه بالحسبان، لِيصبح عالقا بدُنياه في حضورِ تلك الروح التي لا يدري أشيطانٌ أم شبحٌ هي.. ونهايتُه هي ما باتت تشغل باله ولاشيء غيرها..
VIEW MORE

Chapter 1 - جحيم في رخاء

من بين جميع الإنسيين بالعالم، ومن بين جل تلك الأبدان.. وقع الاختيار عليه هو.. بالضبط ذاك الشاب اليانع ولا شخص غيره.

-أبارك لك يا "أوس"! أتوقع منك قادما مزهرا!

كلمات لم تكن بغريبة على مسامعه بل باتت رد فعل متوقع مألوف، صارت القول الطبيعي لكل من يعلم أو يسمع عن مستوياته وإنجازاته في مختلف المواد والعلوم.. فلطالما كان "أوس" الأول في صفوفه الدراسية وأذكى أقرانه، وقد حاز أولُ مشروعاته على نجاح باهر إذ إن العملاء انهالوا عليه يُمنة يُسرة متلهفين للحصول على فرصةٍ تجمعهم به فتقودهم لدرب الغِنى والثراء.

هز رأسه شاكرا لأحد معارف والده القدامى، وقادته خطواته الرزينة إلى سيارة سوداء فاخرة كبيرة كانت تلمع تحت نور شمسِ غروبٍ0. مُحْمَرٍّ لشدة نقاءها مخترِقا الحشود المتشوقة لاستجوابه ومقابلته لعلهم يجدون الشهرة والنفوذ المنشودين على مواقع التواصل والأخبار وما شابهها. وقبل أن يفتح باب الراكب ويصعد إلى مركبته اعترضه أحد الصحفيين الجدد بالمجال الذي بانت عليه أمارات التوتر والحرج لعدم خبرته وخوفه الشديد من رفض يحطم جهوده وآماله، لكنه استجمع بعضا من الشجاعة ونطق بصوت عال متصنعا الثقة والبسالة متسرعا في كلامه فلا يتهرب خاطف الأضواء من المحادثة:

-مرحبا يا سيدي إني "رُؤَيِّف" صحفي جديد في مجالي من "جريدة الصِّبا" ورغم أني شبه هاوٍ أرجوك أن تمنحني فرصة فنلقى شرف التعرف عليك وتدوين اسمك بارزا بين سطورنا! 

أخذ الشاب نفَسا عميقا بعدما زفره من رِئتيه اللتان ضاقتا توترا لقول ما سبق من حروف، ونظر في عينيْ "أوس" وشرر السعي يتطاير من بؤبؤيه، فبادله النظرات بأخرى باردة إلى أن ابتسم بهدوء وأومأ مشيرا له بالبوح بما في جعبته من أسئلة، وماهي إلا ثوانٍ معدودات حتى ارتسمت ابتسامة عريضة على محيا "رؤيِّف" لتفاجُئه غيرَ مصدقٍ لنجاحه في إقناع شخص كهذا متألقٍ باستجوابه بينما فشل محترفون وخبراء بمهنته، فباشر بتلاوة ما كان قد كتبه من أسئلة أوَّلية فيطرحها..

-شكرا لك يا سيدي المحترَم!.. هلا تعرفنا بنفسك أكثر؟

-اسمي "أَوْس" ابن لعائلة "فاخِر"، مديرة بعض الشركات الكبرى بدولتنا.. وُلدت بفرنسا حيث ترعرعت بينما أُصولي تختلف.. فأمي روسية وأبي عربي، وبعدما أمضيت معظم دنياي بمدينة الأنوار انتهى بنا المطاف بهذه الأرض الواسعة التي بتنا نعيش بها الآن.

 

انهمك الصحفيون في الكتابة بمذكراتهم ودفاترهم بتعجب معجبين بما سمعوه للتو ثم أكمل المستجوِب الرئيسُ استفساراته بلهفة وحماس كبيرين:

-آهٍ عيناك الزرقاوان وبشرتك الشاحبة من والدتك روسية الأصل ورثتهم إذن! هذا مثير للاهتمام خاصة حينما لا تتوفر مثل ذي المعايير شائعةً في بلدنا!

هز رأسه بانبهار ثم أردف:

-وكيف كانت حياتك في فرنسا؟ أكان لمنهج تعليمهم فضلٌ لظهورك الهام اليوم أم أنك تنسب الجميل لموهبتك وذكائك الفطري المُهاب من الرّب؟

فكر "أوس" بصمت لهنيهة ورد عليه بنبرة متّزِنة واثقة لا تتزحزح:

-كانت طفولة عادية وطبيعية.. التعليم بمسقط رأسي ممتاز فهم يتَّبعون في مدرستي السابقة أساليبَ وطرقا حديثة وفعالة مبتكَرة، علاوة على ذلك حرصهم على التربية والسلوك الحسن، كآداب المائدة، لباقة التصرفات والحوار مع اختلاف اللهجة حسب المُخاطَب وما إلى ذلك.. وبالنسبة لنجاحي اليوم فأنا ممتن لكلٍّ من مؤسستي التعليمية، أبواي وبالطبع الإله الذي جعل من الفوز والتألق خيارا أُدْرِجَ بين صفحات قدري.

 

-حقا كلامك مذهل يا سيد! ماذا عن مشروعك؟.. أقصد أنك لا زلت شابا يافعا بلغت الرابعة والعشرين لتوك وهذا لَإنجاز باهر بحقٍّ كونك بعمر صغير كهذا وشُروعك في جَنْيِ ثمار عملك الحديث.. كيف حققت كل هذا وبوقت قصير يَسير؟

 

وضع "أوس" ابتسامة صغيرة بعد لحظة صمت ليجيب:

 -ما اعتبارك لمقابلتي القصيرة هذه معك بعدما لم يسطِع غيرك ممن هم حولنا ها هنا الحصول على رَدٍّ يرضيهم يا هاويَ مجاله؟

 

أجفل الصحفي بتعجب وصاح بحماس دون تفكير:

-إنجاز بل فرصة لا تقَدّر بثمن أو تعوض يا سيدي "أوس" ولنا الشرف العظيم للحديث معك بِلا أدنى شكّ!

 

اتسعت ابتسامته التي كشفت عن أسنان بيضاء خَلَتْ من أي تسوس أو طعام قد علِق بينها وأشرق محياه ليقول وقد خطا متجاوزا "رُؤَيِّف" فيَدخل السيارة الداكنة:

-إذن الإنجازات، ولو كنت مبتدئا أو حتى قاصرا بسنك، إن كان الحظ حليف قدرك المحتوم المكتوب بقلم لا سلطة عليه سوى حكمة ربك، فإنها من نصيبك وستلقاها عاجلا أم آجلا، إذ ستجِد طريقها إليك ما دُمتَ قد ساهمت بتعبيد ذا المسار الذي ستسلُكه مستعينا بجهود كاملة ورغبةٍ بالإقدام لا تلين مهما ضاقت الحال والنفس.

 

أغلق الباب على يمينه وأشار للسائق بالانطلاق قبل أن يرفع زجاج النافذة المعتم وينطق لشاب "جريدة الصّبا" بكلمات كانت كطوق نجاة يتمسك به فيطفو ببحار التيه للوصول ليابسة الاستقرار والمنى:

"لذلك فلتشُدَّ العزم والهِمَّة لتصل يا "رؤيف" لمرادك فتسمو شامخا كجبل لا يهزه مدح ولا قدح، ولتؤمن بمستقبلٍ زاهر بيد الخالق فاطرِ السماوات والأرض فهو مُسير الأفراح والأتراح."

 

غادرت المركبة تاركة النداءات والهتافات تطالب بمزيد من المعلومات والبيانات، وتعالت أصوات كاميرات التصوير وأضواءها اللامعة تعمي العيون بومضات بيضاء لم تخبُ إلى أن ابتعدت السيارة ومَن بداخلها أمتارا عديدة فتناقصت الضوضاء لتختفي بعد ثوانٍ قليلة وخيم صمتٌ لم يتخلله سوى المحرك وصوته بالإضافة إلى هبيب رياح شتوية قوية باردة لم تتجزء من ذا الفصل الذي حلَّ على المدينة بجماله الخلاب وهدوء معتاد محبَّب لدى العديد من الساكنة.

وخلال هذي الدقائق المعدودات، غاص "أوس" بين أفكاره ومشاعره بهاوية كانت ولا زالت خالدة بصدره الذي كان يضيق شيئا فشيئا كلما طال عيشه بعالم الثراء والرفاهية.. تلك الجملة التي باح بها قاصدا توصيلها لـ"رؤيف".. تلك الحروف الأخيرة التي كوَّنت مقولة صدرت منه مرغما.. لم تكن سوى مهرب سريع من إجابة لم ولن يوَد الاعتراف بها يوما..

 

لا يسطتيع قطُّ إنكار فضل أبيه ووالدته اللذين ساهما بل دبَّرا لكل فوز وارتقاء ناله خلال سنواته.. كل الامتنان لهما.. بل جُلُّ كلمة تهنئة لم يجدر به أن يتلقاها هو، فجهوده وما سمِّيَ بـ"ذكاء وموهبة من السماء مُهابة" ما تُرِكَ لاستغلاله مجال فضاعت سنون الدراسة، ولو علِمَ أنه دمية افتخار لأبويه لا أكثر ولا أقل لأزال ثقل الدراسة والجد عن كاهله وعاش كما يحيى غالب أقرانه يلعبون ليلا نهارا، وترك أمر علاماتٍ لم يعد لها معنى له لأبويه ورشوتهما.. أو عموماً أموالهما.. نقودُهما سيرت دنياه وباتت ثمنا هينا يسهل دفعه ليلقى ما يحلو له ماديا كان أم معنويا..

 

"العلم نور.. كلما تلقى العقل كمَّا منه، هائلا كان أم ضئيلا، يبقى سراجا وَهَّاجًا يقودنا لترك زقاق الجهل حالك الظلمات لنجد منفذا نرى منه عالمنا وحقيقته المرة الحلوة.. ومهما ارتَوينا منه رغبة بطرد ضمأ الفضول يظل العطش يناجي متلهفا للمزيد من جرعات نهر المعرفة والحكمة عسانا نشد على حبل الوعي نتبع أثره لنصل لهدفنا المبتغى ونرنو نمد يد العون لمن لا يزال يحيى بوهم دنياً وردية بسيطة دُفِنَ بها العلم في رمال النسيان سواء أبحجة أم بأخرى.. لكنّ هذا لا يرضيني..."

 

 كان يدري بل يعي أهمية المعرفة، يعلم بمدى حاجته إليها بصفته إنسانا مُنِحَ عقلا بالذكاء يتميز وجسدا سليما وكذا ظروفا مادية ممتازة تُخَوِّلُ له الالتحاق بأفضل المدارس ولو بَعُدت مسافات تقتضي سفرا لأيام تطول تمتد.. لكنه معنويا ليس بمستقر.. وكيف يكون متزنا حينما يشك بذاته؟ أهي حقا نتائجه ومعدلاته التي جناها بسهر ليال يدرس خلالها أم أنها تزوير مقابل مبلغ تلقته المؤسسة فتتجنب العائلة أي دنو أو فشل قد يخرب سمعتها ونفوذها؟ وهل أبواه لذي الدرجة لا يثقان به؟ يهابان تراجعا دراسيا ولو بفارق ضئيل؟ ماذا لو غادرا الدنيا فيحيى وحيدا لا يدري ما العمل إن خسر منصبا أو عملا؟ أعندها سيعيش بتأنيب ضمير يجعل منه بدنا بقلب دون روح شغوفة تهوى الحياة؟ وهل سيرغب بالاستمرار حينئذ أساسا؟ أهذا كله يعني أنه دون مال لا يعني شيئا؟ وهل جل اجتهاد وبحث تلك السنين ذهب سدى؟

ثقلتِ الأنفاس وزاد وجع الفؤاد باسترجاع أسئلة تراوده ليلا نهارا منذ وقت قد مضى وطال، شرود لا يقبل به لكنه مُرغما ينجرف بتيّار أصوات توسوس بذهنه فتغرقه حسرة صبحا، تؤرقه بدجى الليالي إلى أن ينهض فجرا، دون فاصل يريحه من ذي اللوعة التي لطالما غرست أشواك الندم والذنب بقلب قلمّا ينبض انتشاءً، غالبا ما يفيض حزنا شجنا قد جعله أسير الأسى والهم، وقد أثقله سنونا ذا الغم، ولم يلقَ لداءه علاجا بعد فينشرح الصدر وينسى ألما كُربا ما باح بها اللسان فظلت بالذهن والفؤاد قيودا حرمته سعادة تلّم به نادرا، وبات سجين نفسه الحزينة التي ناجت لأعوام ذي المآسي علها تهجره لكنها تأبى الانسحاب فتتركه يصرخ صامتا بفؤاد قد فُطِر وضمير ما يَكِلّ من الصياح به مُوَبِّخا لا يدري دافعه الأدقَّ فيعود لحاله ويبقى عليها آمِلا الفرج من الرب ولا أحد غيره.

 

حبل الأفكار طويل لا يكاد يُرى طرفُ نهايته فانقطع بكلمات صوت غليظ قد قال:

-سيدي، إلى الوِجهة أخيرا وصلنا.

-..حسنٌ..

حروف نُطِقت مُعلِنة انفصاله عن شرود ذهن قد سافر به إلى ذكرايات آخِذا إيّاه في جولة بين أفكار تباينت عن بعضها جاعلا تلك الروح تخوض عواصف شتى جمعت أحاسيس قد تعددت وتناقضت فصَعُب تحليلها ثم فهمها..

خطا "أوس" مترجلا من سيارته عابرا بابها الجانبي الأسود الذي فتحه سائقه احتراما واجبا، وسار متصنعا الثبات في كلّ خطوة تجاه بيته الضخم الذي لم يخلُ من والده مُلازِم المكتب وكذا الخادمتين اللتان وُظِّفتا فتشغلا فراغ الأم التي باتت أواخر الأيام تغيب متحججة بعملها واجتماعاتها.. وشيءٌ من ذي الذريعة يجعل ابنها يشكك بحقيقتها فهي لم تكن من قبل تهتم بوظيفتها كل ذا القدر من الحرص لكن كونها "أمه" و "والدته" لَسبب كافٍ لجعله ينفي تخيلاته وتحليلاته المفروضة حول هذا الأمر الذي لم يُعِره الأب انتباها إلا حينما تأخرت سيدة المنزل إحدى الليالي إلى ما بعد منتصفها بساعات فاكتفا بغض النظر والاقتناع بحججها تجنبا لأي مشاكل أو صراعات قد تنشب مِن خطإ أو زلة لسان..

 

تجاوز بوجه هادئ بوابة المنزل شبيه القصر المضاء بأنوار أضفت لمسة بهاء فجعلت المكان بديعا للأنظار مَحَطَّ تفاخر بهندسته المميزة وشكله البهِيّ.. ورغم عِلم "أوس" بما هو ظاهر للناس عامة كانوا أم ذوي مكانة وإعجابه بتصميمه، لم يزِده سوى تفكيرا حيرة حول الثروة التي ينعم بها.. ألا يجدر به حمد الإله والفرح بها بدل العبوس والتجهم بسبب أفكار لا أكثر؟ أليس مُذنبا مادام غير شاكر لنِعم الرب المادية؟..هي بالذهن لا غير، أفكار معنوية ولا تُنظر أساسا.. لكنها تجعله ضعيفا.. أهونَ مِن أن يقاوم ويطرد ما بباله من وساوس.. جحيما في رخاء هو يحيى..

 

-مساء الخير.

ابتسامة عريضة ظهرت على وجه "أوس" حينما فتح باب مكتب والده الذي تدلت من بين شفتيه الشاحبتين وأسنانه المُّصفرة سيجارة نصف محترقة، جعلت المكان خانقا يفتقر للهواء النقي مما أجبر ابنه على فتح المدخل ليترك المجال لسحب الدخان فتخرج ويستنشق أبوه بعضا من الأكسجين الخالي من سموم ما قد أدمنه منذ وقت طويل..

-أهلا بابني الغالي على الفؤاد والنفس! كيف سارت الأمور معك؟ أرأيت كيف كانت كلماتي حقيقة لا أملا زائفا؟ أخبرتك مسبقا أنك ناجح لا محالة!

تقدم بعدما أغلق المدخل حين توفر هواء للاستهلاك مناسب، ورد بوجه مشرق مخفيا نبرة صوته الكئيبة لنفسه المتعبة التي ذاقت ذرعا من كلمات ازدراء تصِله كل يوم وكل لحظة..

-مُؤَكّد قولك يا أبتي.

-صحيح.. والأمر الأشدّ تأكيدا هو ما سنحصده مِن مال مستقبلا بسبب تألقك اليوم يا بُنَي!

 

تبسم "أوس" مُرغما وأومأ لأبيه، ثم شق طريقه نحو غرفته سريعا غير راغب بمحادثة مادية كتلك مع والده، وقد كان ذاك الرجل القابع على مقعده طيلة اليوم لا يجد أمر فتاه غريبا فهم بكل الأحوال لا يجتمعون أو يتواصلون بشكل متككر أو حتى كافٍ..

 

دخل إلى غرفة واسعة بها أثاث باهظ وفاخر ذو طراز رفيع، أغلق بابها وتقدم فيغير ثيابه السوداء الرسمية بأخرى مريحة ثم اتجه مباشرة إلى حمامه الخاص المتصل بحجرته الشاسعة لعله يزيح بعضا من تعب اليوم وإرهاقه..

مياه ساخنة حارة تتدفق لتختلط بأخرى باردة فتجعل حمامه دافئا يهدئ الأعصاب المضطربة فينشرح الصدر بعضا من الشيء وتُغسل عنه قطرات عرق لا يدري أناتج هو عن عمل وكثرة تنقل من بين الحشود أم عن انزعاج واضطراب يلُمّ به شتى الأحيان.. لكنه على أي حال حيلة باليد لا يجد فيكتفي بالصبر والتناسي منتظرا الخلاص في مستقبله..

"مُعطر يتميز برائحة زكية قوية للرجال مخصصة"

لطالما أحب استخدامه بسكبه في ماء اغتساله، فهو جزء لا يتجزء من روتين نظافته اليومي الرتيب خاصة بعدما اقتنع أنه عامل يجعله منتعشا يشعر بالنقاء والانتشاء، فبات يلجأ إلى غسل جسمه كلما شعر ببعض الضيق في يوم حافل أو شاق..

دخل الحوض واستسلم للشعور الفريد الذي خالجه حينما أغرق نفسه فيه ابتداءً من أخلص قدميه إلى رقبته التي أسندها إلى حافة حوض استحمامه وحينئذ استرخى.. دفء يرخي عضلاته يصفي ذهنه فينسى ما كان له شاغل بال وضيق.. وماهي إلا ثوانٍ حتى قطعَ لحظاتِه تلك صوتٌ أُنثويٌّ هادئ وشجي..

-كيف لشاب فاحش الثراء مثلك أن يستعمل هذا المُعطِّر الرخيص؟

أجفل "أوس" مُنكَمِشا قاصِدا إخفاء بدنه فورما استوعب ما قد سمعته أُذناه وجعل يبحث عن صاحبة الصوت قليلة الأخلاق التي ما استئذنت بالدخول بل انتهكتْ خصوصية شخص غريب، فهو لا يذكُرُ تعرّفهُ على إناث غير والدته وبعض قريباته، بالإضافة إلى الخادمات.. 

!خادمات ذوات جرأة كهذي تحثّهن على دخول حمام أحدهم بينما هو بدِفءِ المياه يَنْعَم؟

-!!اُخرجي وإلاّ قطعتُ مصدر رِزقكِ بِطَرْدكِ

قالها وقد نهضَ بعُجالة ليلتقط منشفة كانت بجانبه ويَلُفَّها حول جسدِه المتناسق متوسط القوة الذي ما استطاع الليلة استكمال استرخائه بل زاد تعبا مِن توتر وحرج اسْتَوْليَا على الفتى..

-يا سافل، مِن أين لكَ بِذي الشجاعة لتَجْعَلني بخادمة لدى والدك شائِبِ الرأس؟

 

سار بخُطًأ غاضبة يفحص كُلَّ رُكْن بحمّامه بُغية إلقاء القبض على ذي المتطفّلة، فجال بعينيه ثم ببدنه ولم يجد لمَن كَلَّمَهُ أثرًا، وهذا ما جعله يتوتر لِيخرُج مرادَ التحقق مِن الغرفة المتَّصِلة بدورة مياهه فيشعر الهناء لوجودها خارج نطاق استحمامه لا داخله.. لكنه حينما وطأتْ قدمه عتبة الباب المرغوب فتحه ما استطاع التقدم أكثر..

لِمَ؟

جواب يسير، اصطدم بشيءٍ لا يدري ماهيته ولا حتى شكله.. وقف متسمرا وقد حاول مرة ثانية، ثالثة وبل كَرَّة رابعة ومازال الحاجز يمنعه من العبور فَيَفتَحَ بابه..

-يالك مِن عنيد.

صوت رقيق كالطّرَب وقع على مسامِعه وقد بَدا أقرب مِن صدىً أو حروفٍ مِن غُرفة أخرى نُطِقَتْ..

-مَن.. أين أنتِ؟؟

التفت يُمْنَةً يُسْرة مُترقبا خروجها من إحدى الزوايا، لكنه قَطُّ لم يتوقع أن تكون.. شخصا يطفو ها هنا أمامه؟؟..

 -كيفَ أبدو لك، يا "أوس"؟